عادل الأحمدي

عادل الأحمدي

Follow Me

تحولات المؤتمر الشعبي العام

مقالات الرأي Tuesday 25 August 2020 الساعة 12:18 am



(الإهداء إلى روح الفقيد حسين المقدمي.. وقد كان رحمه الله أحد رواد لجنة التصحيح أيام حركة 13 يونيو وأحد مؤسسي المؤتمر الشعبي العام).
كان الحل الأمثل للخروج من حلكة التصارع الأيديولوجي الحزبي القائم في الشطر الشمالي منذ السبعينيات، هو أن يتوافق الجميع على كتابة ميثاق بينهم يدلو فيه كل بدلوه ويسهم بأحسن ما لديه. ومن ثم يتم إشراك الفئات الشعبية في إقرار هذا الميثاق والتصويت عليه إضافة وحذفاً وتعديلاً. وذلك عبر مؤتمرات شعبية صغيرة في كل مناطق الشطر الشمالي، يعقبها انعقاد مؤتمر شعبي عام يتم فيه الإقرار النهائي لميثاق العمل الوطني الذي من شأنه، حين العمل به، أن يفسح المجال للتنمية وأن يقلل من الاصطراع والتآمر بحيث يشعر الجميع أنه مشارك في العملية السياسية، وفي وضع القواعد التي تنظم هذه العملية.
بزغت فكرة المؤتمر الشعبي العام أيام الرئيس إبراهيم الحمدي، وكان مقرراً أن ينعقد بالحديدة في 15 نوفمبر 77م ولكن الرئيس أحمد الغشمي قام بإلغاء وربما تأجيل ذلك، وبالتالي كان الرئيس علي عبدالله صالح مستوعباً للهدف الذي من أجله انبثقت فكرة الميثاق والمؤتمر فهيأ مناخاً ملائماً انتقلت فيه الفكرة إلى واقع التطبيق وحققت أهدافها بدقة وآتت ثمارها واضحة، فكانت الفترة من 82 إلى 1990 فترة استقرار سياسي وسباق تنموي.
انعقد المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس1982م واتفق المشاركون على استمرارية هذه الفعالية فتم اختيار لجنة "دائمة"، كما لاحت فكرة جعل هذا المؤتمر بمثابة التنظيم السياسي الموحد في الشطر الشمالي الذي يوازي التنظيم السياسي الموحد في الشطر الجنوبي (الحزب الاشتراكي اليمني)، واختير علي عبدالله صالح أميناً عاماً للمؤتمر الشعبي العام. وفي 22مايو 1983م أعيد انتخابه رئيساً للجمهورية العربية اليمنية. (وهو نفس اليوم الذي أعلنت فيه الوحدة اليمنية بعد سبع سنوات).
قامت الوحدة اليمنية 22 مايو 1990 على أساس الشراكة الحرفية بين صانعي الوحدة (المؤتمر والإشتراكي) وأسهم مناخ التعددية الحزبية الذي تزامن مع قيام الوحدة في إعلان الإخوان المسلمين وجزء من تيار المشائخ والتجار حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي أصبح الضلع الثالث في مثلث التدافع السياسي في يمن ما بعد 90. وكان هذا التيار قبل ذلك، إحدى المكونات الأساسية للمؤتمر الشعبي العام.
ومنذ البداية كان المؤتمر خائفاً على نفسه من الذوبان بين تنظيمين أيديولوجيين عريقين هما الاشتراكي والاصلاح، فسعى منذ البداية إلى الاندماج مع الاشتراكي. وهي الفكرة التي رفضها تيار كبير في الاشتراكي.. وظل المؤتمر يلح على هذه الفكرة حتى بعد فوزه في انتخابات 93؛ بحيث يصبح المؤتمر والاشتراكي، بفعل الاندماج، حزباً حاكماً تنافسه بقية القوى السياسية.
لكن الرياح هبت باتجاه الحرب التي اندلعت في 5مايو 94 وانتهت في 7 يوليو من نفس العام ليزاح بذلك الاشتراكي من ائتلاف الحكم ويخلو الجو للتحالف المنتصر في 94 (المؤتمر والإصلاح) وتبدأ فترة التنافس المحموم بينهما.
وفي حمأة ذلك التنافس؛ كان المؤتمر حريصاً على استنفار كافة قواه ليزيح عن نفسه كابوس المخاوف من أنه ليس حزباً تنظيمياً عريقاً، وبالتالي أدى ذلك إلى اعتماده على قوى الحشد الاجتماعي والجماهيري التي تضمن له مقاعد في البرلمانيات والمحليات، وتملأ الصناديق بـ"الخيول" ومن ثم تحصل هذه القوى على مكافأتها بعد إعلان النتائج، مواقع ومناصب في الحكومة حتى وإن لم تكن تجيد من العمل الإداري إلا شيئاً بسيطاً. وهذا جعل محصول التنمية الإدارية للمؤتمر متواضعاً وحال دون استكمال ترسيخ دولة مؤسسات (في ذات الوقت الذي سعى فيه إلى تفتيت الأحزاب المنافسة واستقطاب كوادرها وقياداتها). وكل هذا كان له أثره السلبي الفادح جراء وصول سياسة الإزاحة المؤتمرية للإصلاح إلى ساحة التربية والتعليم فضلاً عن ممارسات عدة قامت بمضايقة كثير من القيادات الإدارية والوسطى والموظفين في مرافق الدولة بسبب عدم انتمائهم للمؤتمر الشعبي العام.
وهكذا دواليك، انتخابات بعد أخرى، ومكافآت تلو الأخرى، إلى أن تراجعت نسبة أصحاب الكفاءات في الجهاز الحكومي بشكل كبير، نتج عنه كثرة التغييرات في الوجوه الوزارية والقيادات الإدارية في السنوات العشر الأخيرة.. وأضحى الفساد أمراً شاخصاً يتحدث عنه الحاكم والمعارض، في ذات الوقت الذي يزداد تذمر القوى التي يطول انتظارها في دكة الاحتياط بلا طائل.
وفي زحمة هذا كله؛ ذهل اليمنيون عن ضرورة وضع مشروع وطني يزيل آثار حرب 94 ويعمق الوحدة في النفوس ويرسخ أشواق اليمن الجديد ويستوعب الجميع في كلياته وجزئياته، الأمر الذي أمكن معه للمشاريع الصغيرة أن تطل برأسها من جديد، كمحصلة حتمية لغياب المشروع الوطني الجامع.
 ووفقاً للكاتب العربي الكبير ناصر الدين النشاشيبي، "فإن الأمر الأكثر مرارة في أوضاع اليمن شديدة التخلف قد تؤدي مناخات الحرية في ظل ضعف النظام السياسي إلى الفوضى وبروز نزعات يمكنها أن تقود إلى متاهات تمزق جديدة وصراعات يغذيها الإرث الإمامي".
فمؤكد أنه حين تغيب ثقافة الوحدة تحل ثقافة التشطير، وحين يغيب فكر الثورة تطل أساطير الكهنوت، وحين يغيب مشروع الداخل يتسلل مشروع الخارج، وهذا ما حدث بالفعل.
صحيفة الناس
يوليو ٢٠٠٨

جميع الحقوق محفوظة لموقع صوت الوطن

نرحب بتواصلكم مع موقع صوت الوطن عبر التواصل معنا من خلال صفحتنا في فيسبوك من هــنــا

تابعونا ايضاً من خلال الاطلاع على جديد اخبارنا في صفحة Google News عبر الضغط هنا

تويتر المزيد